- 22 يونيو 2025
- / 4933
شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا في الأسواق المحلية خلال تعاملات الأسبوع الماضي، حيث انخفضت بنسبة تقترب من 2%، متأثرة بعدة عوامل رئيسية أبرزها تراجع الطلب المحلي وزيادة عمليات جني الأرباح، بالإضافة إلى استمرار قوة الدولار الأمريكي. وبحسب التقرير الأسبوعي الصادر عن منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، سجلت أسعار الذهب العالمية أيضًا انخفاضًا بنسبة 1.8% خلال نفس الفترة، وهو ما يشير إلى ضعف الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن، على الرغم من تصاعد التوترات الجيوسياسية على الساحة الدولية.
وأوضح سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، أن الذهب تراجع في السوق المحلية بقيمة بلغت نحو 100 جنيه للجرام خلال الأسبوع الماضي. فقد افتتح جرام الذهب من عيار 21 – وهو الأكثر تداولًا في السوق المصري – تعاملات الأسبوع عند مستوى 4900 جنيه، قبل أن يغلق الأسبوع عند مستوى 4800 جنيه. وعلى الصعيد العالمي، فقدت أوقية الذهب نحو 61 دولارًا من قيمتها، حيث بدأت الأسبوع عند سعر 3430 دولارًا، واختتمته عند 3369 دولارًا.
وأشار إمبابي إلى أن باقي الأعيرة شهدت انخفاضات مماثلة؛ حيث سجل جرام الذهب عيار 24 نحو 5486 جنيهًا، وعيار 18 بلغ 4114 جنيهًا، بينما وصل سعر عيار 14 إلى 3267 جنيهًا. كما سجل سعر الجنيه الذهب في نهاية الأسبوع نحو 38400 جنيه.
التوترات الجيوسياسية لم تكن كافية لدفع الذهب
ورغم تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية العالمية، بما في ذلك استمرار التصعيد بين إسرائيل وإيران، وتجدّد الاشتباكات بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن أسعار الذهب سجلت أول خسارة أسبوعية لها منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع. وهو ما يعكس مفارقة واضحة في سلوك الأسواق، التي لم تتفاعل هذه المرة مع التصعيد الجيوسياسي بنفس الحدة المعتادة، ما دفع الكثيرين للتساؤل: هل تراجعت ثقة المستثمرين في الذهب كملاذ آمن؟
الذهب لا يزال قويًا على المدى الطويل
وعلى الرغم من هذا التراجع، لا يزال الذهب يحتفظ بمكانته كأحد أهم الملاذات الآمنة في فترات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. فقد شهدت الأسواق العالمية خلال الأسابيع الماضية موجات اضطراب كبيرة أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، حيث بلغ سعر الأوقية ذروته عند 3451 دولارًا خلال فترات الذروة الجيوسياسية. ويؤكد هذا الاتجاه أن الذهب لا يزال عنصرًا أساسيًا في استراتيجيات التحوط لدى المستثمرين.
البيانات الاقتصادية الأمريكية وتأثيرها على سوق الذهب
على الجانب الاقتصادي، أظهرت بيانات التضخم في الولايات المتحدة لشهر مايو ارتفاعًا طفيفًا بلغ 0.1% فقط على أساس شهري، ما دفع الأسواق إلى تعزيز توقعاتها بشأن توجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نحو خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه المتوقع في سبتمبر المقبل، وهو الأمر الذي يمثل عامل دعم إضافي لأسعار الذهب في المدى القريب.
وكان الفيدرالي الأمريكي قد قرر تثبيت أسعار الفائدة للاجتماع الرابع على التوالي، لتظل ضمن نطاق يتراوح بين 4.25% و4.50%. ووفقًا لتصريحات جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يظهر مرونة، وسوق العمل قوي، بينما يقترب التضخم تدريجيًا من المستويات المستهدفة.
وفي تحول جديد، ألمح كريستوفر وولر، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، إلى إمكانية البدء في خفض أسعار الفائدة اعتبارًا من يوليو 2025، في حال استمرت المؤشرات الاقتصادية في الأداء المعتدل. كما قلّل من تأثير الرسوم الجمركية على التضخم، مؤكدًا أن فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على الواردات لن يكون له تأثير كبير على الأسعار، ما يقلل من احتمالية استخدام هذه الرسوم كذريعة لاستمرار السياسة النقدية المتشددة.
البنوك المركزية تدعم الذهب وتبتعد عن الدولار
ولم يقتصر الدعم لسوق الذهب على المستثمرين الأفراد والمؤسسات المالية، بل امتد إلى البنوك المركزية حول العالم، لا سيما الصين وروسيا، التي تواصل تعزيز احتياطياتها من الذهب بهدف تنويع أصولها وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. وقد أسهم هذا الاتجاه المؤسسي في تعزيز قوة الطلب على الذهب، خاصة على المدى المتوسط والطويل.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة حديثة أجراها مجلس الذهب العالمي خلال الفترة من 25 فبراير وحتى 20 مايو 2025، بمشاركة 73 بنكًا مركزيًا، أن 76% من هذه البنوك تتوقع زيادة حصة الذهب ضمن احتياطياتها خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة بـ69% فقط في استطلاع العام السابق. كما بيّنت الدراسة أن 95% من البنوك تتوقع ارتفاع احتياطيات الذهب عالميًا خلال العام المقبل، وهي أعلى نسبة منذ إطلاق هذا النوع من الدراسات.
كما أظهر الاستطلاع تراجعًا في الاعتماد على الدولار الأمريكي، حيث أشار نحو 75% من البنوك المركزية إلى نيتهم تقليص احتياطياتهم من العملة الأمريكية خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة بـ62% في استطلاع عام 2024، في مؤشر واضح على تحوّل استراتيجي في توجهات الاحتياطي العالمي.
أداء الذهب في 2025: مكاسب قوية رغم التقلبات
منذ بداية عام 2025، حقق الذهب مكاسب بلغت نحو 29%، بينما تشير البيانات إلى ارتفاع يصل إلى 70% خلال العامين الماضيين. ورغم التقلبات قصيرة الأجل التي يشهدها السوق، فإن الاتجاه العام لأسعار الذهب لا يزال صاعدًا، مدعومًا بعدة عوامل متشابكة، من أبرزها التوترات الجيوسياسية، والتحول المتوقع في السياسة النقدية، وزيادة الطلب من الأسواق الناشئة والمؤسسات الرسمية.
الذهب يرسّخ مكانته في عالم يسوده عدم اليقين
في ظل تصاعد أوجه عدم اليقين السياسي والاقتصادي حول العالم، يواصل الذهب تأكيد دوره كأصل غير مرتبط بالديون أو التزامات مالية، ولا يتأثر بإفلاس الحكومات أو انهيار الأسواق المالية، ما يجعله عنصرًا أساسيًا في حماية المحافظ الاستثمارية من المخاطر، وركيزة للاستقرار في أوقات الأزمات.
ما الذي تترقبه الأسواق هذا الأسبوع؟
تتجه الأنظار هذا الأسبوع إلى سلسلة من البيانات الاقتصادية الأمريكية ذات التأثير الكبير على توجهات الأسواق والسياسات النقدية. وتشمل أبرز هذه المؤشرات:
بيانات مؤشر مديري المشتريات من ستاندرد آند بورز يوم الإثنين.
تقرير ثقة المستهلك وشهادة جيروم باول أمام لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب يوم الثلاثاء.
بيانات مبيعات المنازل الجديدة وشهادة باول أمام مجلس الشيوخ يوم الأربعاء.
طلبات إعانة البطالة وبيانات السلع المعمرة والناتج المحلي يوم الخميس.
وأخيرًا، بيانات التضخم الأساسية لنفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) يوم الجمعة، والتي قد تكون العامل الحاسم في رسم ملامح السياسة النقدية الأمريكية خلال الفترة المقبلة.