• / 70

تواصل أسعار الفضة استقرارها عند أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، وسط حالة من الترقب الشديد في الأسواق العالمية بشأن مستقبل السياسة النقدية الأمريكية، وخصوصًا قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي المرتقبة. ويأتي هذا الأداء القوي للفضة في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تقلبات متزايدة، مدفوعة بتضارب البيانات الاقتصادية الأمريكية وتبدلات في توجهات المستثمرين نحو الملاذات الآمنة.

 

أسعار الفضة محليًا: استقرار عند مستويات مرتفعة

 

بحسب تقرير صادر عن مركز "الملاذ الآمن" للأبحاث، سجّلت أسعار الفضة في السوق المحلية استقرارًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم الأربعاء، حيث بلغ سعر جرام الفضة عيار 800 نحو 52 جنيهًا، فيما سجل سعر جرام الفضة عيار 925 نحو 60 جنيهًا. أما سعر جنيه الفضة (عيار 925) فقد بلغ حوالي 480 جنيهًا، وهو ما يعكس استمرار الطلب المحلي على المعدن الأبيض رغم تقلبات الأسواق.

 

الفضة عالميًا: تداولات حذرة واستقرار قرب أعلى سعر منذ 2011

 

على الصعيد العالمي، استقر سعر أوقية الفضة عند مستوى 37.8 دولارًا، دون تغير يُذكر مقارنة بسعر الإغلاق السابق البالغ 37.82 دولارًا. وسادت جلسات التداول العالمية حالة من الهدوء والحذر، مع ترقب الأسواق للبيانات الأمريكية وتطورات السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة.

 

أداء الفضة مدعوم ببيانات اقتصادية متضاربة

 

شهدت تحركات الفضة نطاقًا ضيقًا خلال تعاملات اليوم، حيث بدأت الجلسة على تراجع طفيف تأثرًا بارتفاع محدود في عوائد السندات الأمريكية، قبل أن تعاود الأسعار ارتفاعها مع تراجع مؤشر الدولار وتزايد التوقعات بشأن خفض محتمل لأسعار الفائدة الأمريكية.

 

ومنذ بداية عام 2025، حققت الفضة مكاسب قوية تجاوزت 30%، مما جعلها تلامس مستويات لم تسجلها منذ عام 2011. في الوقت نفسه، هبط مؤشر نسبة الذهب إلى الفضة إلى مستوى 89، وهو ما يشير إلى أداء أفضل نسبيًا للفضة مقارنة بالذهب.

 

وتعكس هذه المكاسب ترقّب الأسواق لقيام الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه المرتقب في سبتمبر، حيث تشير التقديرات إلى أن احتمال اتخاذ هذه الخطوة يبلغ نحو 87%. ويأتي هذا التوقع في ظل تباطؤ نمو الوظائف وتراجع مؤشرات قطاع الخدمات الأمريكية، ما يعزز التكهنات بضرورة تيسير السياسة النقدية لدعم الاقتصاد.

 

تراجع الدولار وارتفاع العوائد يخلطان أوراق المستثمرين

 

استفادت الفضة من انخفاض الدولار الأمريكي، والذي سجل هذا الأسبوع أدنى مستوياته في سبعة أيام، مما زاد من جاذبيتها للمستثمرين الدوليين، نظرًا لكونها مقوّمة بالدولار. غير أن الارتفاع النسبي في عوائد سندات الخزانة الأمريكية حدّ من قوة هذا الزخم، حيث دفع بعض المستثمرين إلى البيع لجني الأرباح، خاصة في ظل حالة الغموض التي تحيط بالسياسة النقدية الأمريكية.

 

وتتوجه الأنظار حاليًا نحو البيت الأبيض، في انتظار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أسماء المرشحين الجدد لعضوية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فضلًا عن قراره المرتقب بشأن تعيين رئيس جديد للمجلس. وتُثير هذه التعيينات المحتملة حالة من عدم اليقين، لاسيما بعد الانتقادات المتكررة التي وجهها ترامب إلى السياسات التشديدية الحالية للفيدرالي.

 

الطلب الصناعي يدعم الفضة رغم إشارات الفتور

 

من الناحية الأساسية، تواصل الفضة الاستفادة من ارتفاع الطلب الصناعي، لا سيما في قطاعي الإلكترونيات والطاقة الشمسية، حيث تُستخدم الفضة بكثافة في تصنيع الألواح الشمسية، والتي تمثل وحدها نحو 15% من إجمالي الطلب العالمي على المعدن.

 

وتشير بيانات السوق إلى استمرار وجود عجز في المعروض من الفضة للعام الخامس على التوالي، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف اقتراض المعدن في سوق لندن إلى أكثر من 6%، بما يعكس وجود نقص في الإمدادات على المدى القصير. كما ساهم احتفاظ الصناديق المتداولة بكمّيات كبيرة من الفضة في تقليص المعروض الفوري، وخلق ما يُعرف بـ"الندرة المصطنعة"، التي أسهمت في دعم الأسعار.

 

في المقابل، أظهرت بيانات صادرة عن مؤسسة "بيرث مينت" الأسترالية انخفاضًا في مبيعات العملات الفضية إلى أدنى مستوياتها خلال ستة أشهر، ما يعكس تراجعًا نسبيًا في الطلب الفردي عند هذه الأسعار المرتفعة، رغم استمرار الاتجاه الصعودي العام.

 

توقعات باستمرار تفوّق الفضة على الذهب

 

يرجّح محللون أن تستمر الفضة في تحقيق أداء متفوق على الذهب خلال المرحلة المقبلة، خاصة مع بقاء نسبة الذهب إلى الفضة أعلى من متوسطها التاريخي، ما يمنح الفضة هامشًا أكبر للمزيد من الصعود، في حال تأكدت التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية.

 

سيناريوهات السوق: الترقب سيد الموقف والسيولة كلمة السر

 

في المجمل، يُظهر المشهد العام لسوق الفضة توازنًا دقيقًا بين عوامل دعم قوية، مثل تراجع الدولار والآمال بخفض الفائدة، وعوامل ضغط ممثلة في ارتفاع عوائد السندات وتراجع الطلب الاستثماري الفردي. ويُنظر إلى الفضة حاليًا باعتبارها أصلًا استراتيجيًا يجمع بين صفتي الملاذ الآمن والمكوّن الصناعي، ما يعزز مكانتها في ظل الضبابية الاقتصادية العالمية.

 

وتبقى تحركات الأسعار خلال الأسابيع المقبلة مرهونة بقرارات الفيدرالي الأمريكي وتطورات الاقتصاد الكلي، حيث سيكون لمستوى السيولة والسياسات النقدية الدور الحاسم في تحديد الاتجاه النهائي للفضة خلال ما تبقى من عام 2025.