الفائدة من خفض فوائد الإقراض والإيداع على الاقتصاد المصري

صدر قرار من البنك المركزي في مصر بتاريخ 22 - 8 - 2019 بتقليل سعر فوائد الإقراض والإيداع، وتُعد هذه المرة هي الثانية التي يتم فيها اتخاذ هذه الخطوة خلال نفس العام، وهذا بنسبة قد وصلت إلى 1.5%، فما هو المعنى من هذا القرار؟ وما هي النتائج المترتبة على تخفيض سعر الفائدة على الودائع لتصبح بنسبة 14.28% بدلًا من نسبة 16.75%، وتخفيض سعر الفائدة على القروض لتصبح 15.25% بدلًا من نسبة 15.75%؟ وكيف ستتأثر الأسعار في السوق الاقتصادي ومجال الاستثمار في هذه الفترة؟ ولكي يتم الإجابة على كل هذه الأسئلة يجب في البداية إلقاء الضوء على بعض النقاط الهامة، والتي تتلخص فيما يلي.

 

بداية قرارات البنك المركزي المصري

 

تعود البداية لهذه القرارات إلى شهر نوفمبر من عام 2016، حيث صدر عن البنك المركزي قرار بتعويم الجنيه المصري، أي تحرير سعر الصرف له في الأسواق، وذلك وفقًا لقيمة العرض والطلب على الجنيه، وكان لهذا القرار العديد من النتائج السلبية التي تركت أثر سيء على اقتصاد مصر، على سبيل المثال: الانخفاض الملحوظ في الأسواق من عرض العملة الصعبة، مما أدى إلى الارتفاع في سعر الدولار ليصل إلى 18.50 جنيه، مما جعل التضخم يزيد بنسبة ملحوظة، حتى أن نسبة التضخم قد وصلت إلى 33%، مما انعكس على زيادة معدلات البطالة لتصل إلى 12.5%.

 

وبسبب هذه النتائج السلبية؛ قرر البنك المركزي أن يتخذ إجراءات وإصدار قرار من شأنه رفع سعر الفائدة على الإقراض والإيداع، وذلك حتى تكون هناك فرصة كبيرة لإقناع أكبر عدد من الشركات والمستثمرين بوضع الودائع البنكية بالجنيه المصري، بدلًا من العملة الصعبة، لأن هذا بديهي؛ فعندما ترتفع العوائد على هذه الودائع سوف تكون النتيجة هي زيادة وضع الودائع البنكية بالعُملة المحلية.

 

وبالفعل قد حدث ما خطط له البنك المركزي ولكن تدريجيًا، حيث أدى هذا القرار إلى ارتفاع نسبة السيولة المالية من الدولار في جمهورية مصر العربية، مما انعكس على استقرار أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصري، والجدير بالذكر أن؛ خلال الثلاثة سنوات الماضية قامت الحكومة في مصر بتطبيق سياسات اقتصادية تقشفية، عملت على التحسُن المستمر في الاقتصاد القومي للبلد.

 

ومن مظاهر هذا التحسُن: الاختفاء التدريجي لأسواق بيع الدولار أي ما يسمى "السوق السوداء" كما انخفضت نسبة التضخم لتصل في عام 2019 إلى 8.7%، هذا بالإضافة إلى أن مؤشرات النمو قد ارتفعت حتى وصلت إلى 5.7% خلال النصف الثاني من نفس العام، ثُمّ بعد ذلك اتخذ الاقتصاد العالمي قرارًا جماعيًا من أكثر من أربعين دولة بتخفيض سعر الفائدة على العُملة المحلية.

وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة هذه الدول، هُنا لم يجد البنك المركزي في مصر أمامه غير اتخاذ قرار بتخفيض سعر الفائدة، والذي كان للمرة الثانية خلال عام، والسؤال الهام هُنا: كيف سيتأثر السوق المصري والاستثمار بهذا القرار للمرة الثانية؟ ولكي نوضح الفكرة نقوم بضرب مثال للتوضيح، وهو:

 

- إذا كان الفرد يمتلك 50 ألف جنيه، ووجد أن سعر فائدة البنوك مرتفع جدًا، من البديهي أن تكون الفكرة الصائبة للمكسب هي وضع هذا المبلغ في بنك والاستفادة من الفائدة المضمونة، وذلك بدلًا من المخاطرة بهذا المبلغ ووضعه في مشروع، وهذا بالفعل ما حدث مع نسبة كبيرة من المستثمرين، لأنهم لم يريدوا المجازفة خاصًة وأن الاقتصاد كل يوم في حال.

 

هذا بالإضافة إلى أن الارتفاع في نسبة فوائد القروض جعلت أي مستثمر يتراجع عن التقدم بأخذ قرض لكي يطوّر به مشروع أو يقوم بافتتاح مشروع جديد، كل هذا أدى إلى وجود انخفاض في أسواق العرض والطلب على سلع كثيرة، مما نتج عنه حالة ركود بالسوق المصري، بالإضافة إلى حالة من التحفظ العام على حدوث أي استثمار، مما جعل هناك انخفاض في نسبة السيولة، ومن هُنا لم يجد البنك المركزي سبيلًا للخروج من هذا سوى قرار خفض فوائد القروض والإيداع.

 

حتى يجعل هناك نشاط في حركة السوق مرة أخرى، وعدم التعرُض لظاهرة الكساد في الفترة القادمة، هذا بالإضافة إلى تحفيز القطاع الخاص والمستثمرين على زيادة عمل مشروعات استثمارية في مصر، ورفع الضغوط عن المؤسسات المالية، والتي ترتبط بالتمويل من المصادر المختلفة، في محاولةً من البنك المركزي لإقناع المستثمرين الذين قاموا بوضع أموالهم في البنوك بسحبها والقيام بعمل مشاريع كمصادر بديلة تحقق لهم عوائد على هذه الودائع البنكية، بدلًا من تركها في البنوك.

 

هذا بالإضافة إلى تشجيع المواطنين الذين يريدون إقامة مشاريع من خلال التقديم على قروض، من أجل إقامتها، خاصًة وأن سعر الفائدة على القروض قد انخفض، والجدير بالذكر أن؛ خبراء الاقتصاد في مصر قد أكدوا أن نتائج هذا القرار قد حدثت بالفعل، ولكن بشكلًا تدريجيًا، والدليل على ذلك هو وجود سيولة كافية من العملة الصعبة في مصر، مما أدى إلى استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

 

وأضافوا أن؛ السياسة الاقتصادية التقشفية التي قد اتخذتها مصر خلال الثلاث سنوات الماضية قد عملت على التحسُن الملحوظ في الاقتصاد الوطني، حيث ارتفعت مؤشرات النمو إلى أن وصلت لنسبة 5.7%، وهذا أدى بدوره إلى زيادة الطلب في الأسواق على مختلف السلع التي يتم تقديمها وكذلك الخدمات، لذا؛ سوف يضطر المستثمرين نتيجة لهذا الارتفاع في أسواق العرض والطلب، إلى القيام باستيراد بعض المواد التي ليس لها وجود في السوق من الخارج، مما يجعل هناك حاجة إلى العملة الصعبة.

لذلك؛ من المتوقع أن يرتفع سعر الدولار في الفترة القادمة، لكي يستطيع هؤلاء المستثمرين أن يقوموا باستيراد نسّب ضخمة من السلع التي لا توجد في الإنتاج المحلي بمصر.

 

والخلاصة هي أن فائدة خفض أسعار الفوائد على القروض والودائع هي المساعدة في نمو الاستثمارات داخل مصر، وإقامة العديد من المشروعات الجديدة سواء من الشركات أو من الأفراد، وهذا ما تعمل عليه حكومة مصر من خلال وضع السياسات التي تساعد على حدوث ذلك، ولكن يخشى خبراء الاقتصاد من أن هذه السياسات سوف يكون لها أثرًا سلبيًا على ارتفاع جديد سوف يشهده سوق صرف العُملة الصعبة، ومَن يدرى لعل الأيام القادمة تحمل معها الدليل على صحة ما يتوقعه خبراء الاستثمار والاقتصاد.