• / 84

شهدت أسعار الفضة في الأسواق المحلية والعالمية تراجعًا حادًا خلال تعاملات الأسبوع الماضي بنسبة بلغت نحو 11%، متأثرةً بارتفاع الدولار الأمريكي وتزايد حالة الترقّب بين المستثمرين لتوجهات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بحسب تقرير صادر عن مركز «الملاذ الآمن» للأبحاث الاقتصادية.

 

تراجع حاد في السوق المحلية بعد مكاسب قياسية

 

أوضح التقرير أن جرام الفضة عيار 800 انخفض من 74 إلى 66 جنيهًا، في حين سجل عيار 925 نحو 76 جنيهًا، وبلغ عيار 999 حوالي 82 جنيهًا، بينما استقر جنيه الفضة عند مستوى 608 جنيهات.

 

أما على الصعيد العالمي، فقد هبطت الأوقية إلى مستوى 48 دولارًا بعد أن كانت قد قفزت في منتصف أكتوبر إلى 55 دولارًا، وهو أعلى سعر تسجله الفضة منذ أربعة عقود.

ورغم هذا التراجع الأسبوعي الملحوظ، فقد سجل المعدن الأبيض ارتفاعًا شهريًا بنحو 3% خلال أكتوبر، مستفيدًا من موجة مكاسب قوية دفعت الأسعار إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، نتيجة ارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة في ظل تصاعد الضبابية الاقتصادية والجيوسياسية.

 

وأشار التقرير إلى أن جرام الفضة بدأ تعاملات أكتوبر عند 66 جنيهًا، ولامس مستوى 85 جنيهًا كأعلى سعر خلال الشهر، قبل أن يُغلق عند 68 جنيهًا، بينما أنهت الأوقية الشهر عند 48 دولارًا بانخفاض نسبته 13% عن ذروتها الشهرية.

 

ضبابية الفيدرالي تُربك الأسواق وتضغط على المعادن الثمينة

 

قال التقرير إن تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول عقب الاجتماع الأخير للمجلس أثّرت سلبًا على شهية المخاطرة في الأسواق، بعدما أكد أن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر "ليس أمرًا محسومًا"، مشددًا على أن القرارات المستقبلية ستعتمد على البيانات الاقتصادية الواردة.

 

وبحسب أداة CME FedWatch، تراجعت توقعات المستثمرين بشأن خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من 90% إلى 67%، وهو ما شكّل ضغطًا مباشرًا على أسعار المعادن الثمينة، وعلى رأسها الذهب والفضة.

 

وعلى الصعيد الجيوسياسي، أشار التقرير إلى أن الاتفاق التجاري الذي تم التوصل إليه بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) ساهم في تهدئة التوترات التجارية بين البلدين.

 

وتضمّن الاتفاق هدنة تمتد حتى نوفمبر 2026، تشمل خفض الرسوم الجمركية الأمريكية على منتجات الفنتانيل إلى النصف، مقابل رفع الصين رسومها على السلع الزراعية الأمريكية وتأجيل قيود تصدير المعادن النادرة، ما أدى إلى تراجع الطلب على الفضة كملاذ آمن في المدى القصير.

 

تصحيح سعري مؤقت وتحول في مراكز التسعير العالمية

 

يرى التقرير أن الهبوط الأخير في أسعار الذهب والفضة يعدّ تصحيحًا مؤقتًا في إطار دورة صعودية أوسع، موضحًا أن حيازات صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) لم تتأثر بشكل يُذكر، ما يعكس استمرار الطلب المادي الحقيقي على المعدن الأبيض.

 

وأشار إلى أن الطلب المؤسسي والبنكي المركزي ما زال قويًا، بالتوازي مع تحول تدريجي في مراكز التسعير من بورصتي كومكس (COMEX) ولندن إلى الأسواق الآسيوية، خاصة بورصة شنغهاي للذهب، التي تسمح بتحويل اليوان الصيني إلى ذهب بنسبة 1:1.

 

وأكد التقرير أن هذا التحول من شأنه إضعاف هيمنة الدولار الأمريكي على تسعير المعادن الثمينة عالميًا، وتعزيز دور الذهب والفضة في إعادة تشكيل النظام النقدي العالمي، خصوصًا في ظل التحديات المالية التي تواجهها وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الفيدرالي في إدارة التزامات المشتقات المالية مع تراجع الاحتياطيات الفعلية من الذهب.

 

عوامل دعم قوية لاستمرار جاذبية الفضة

 

رغم التصحيحات الأخيرة، شدد مركز «الملاذ الآمن» على أن الفضة ما زالت تحتفظ بجاذبيتها الاستثمارية بفضل عاملين رئيسيين:

 

1. الطلب على الملاذ الآمن: حيث لا تزال التوترات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين الاقتصادي تدعم الإقبال على المعدن الأبيض كأصل تحوطي موازٍ للذهب.

 

 

2. الطلب الصناعي المتنامي: إذ تُستخدم الفضة بشكل واسع في ألواح الطاقة الشمسية والإلكترونيات والسيارات الكهربائية، وتمثل هذه الاستخدامات نحو 16% من إجمالي الطلب العالمي على المعدن، مما يخلق قاعدة صلبة للأسعار على المدى الطويل، خصوصًا في ظل محدودية المعروض من المناجم.

 

 

 

توقعات أسعار الفضة المستقبلية

 

أشار التقرير إلى أن أسواق المعادن الثمينة ما زالت في موقع قوي لاستعادة الزخم الصعودي قبل نهاية العام، مدعومة بالطلب الحقيقي من البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين، إلى جانب الاتجاه العالمي المتزايد نحو تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية.

 

ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر الفضة نحو 41 دولارًا للأونصة في عام 2026، بزيادة تقدر بـ 7.9% عن المستويات الحالية، على أن تتراجع تدريجيًا إلى نحو 37 دولارًا في عام 2027.

 

كما يتوقع البنك أن ترتفع أسعار الذهب بنحو 42% خلال عام 2025، في دورة صعودية تشبه ما حدث في الفترة بين 1979 و1980، حين تضاعفت الأسعار بفعل ضعف الدولار وصدمات النفط والتوترات الجيوسياسية.

 

ويرى محللون أن أي تصعيد جيوسياسي جديد أو اضطرابات مالية مفاجئة قد يدفع أسعار الذهب والفضة إلى تجاوز التوقعات الحالية، بينما قد يؤدي تشديد السياسات النقدية أو تراجع حدة التوترات الدولية إلى كبح الزخم الصعودي مؤقتًا.

 

الفضة تظل رابحة رغم التراجع الأسبوعي

 

على الرغم من خسائر الأسبوع الماضي، تظل الفضة أحد أفضل الأصول أداءً في 2025، إذ ارتفعت قيمتها بأكثر من 50% منذ بداية العام، مدعومةً بالطلب الصناعي المتزايد وبندرة المعروض العالمي من المناجم.

 

ويُظهر تحليل مركز «الملاذ الآمن» أن الأوقية مرشحة لاستهداف مستوى 53.30 دولارًا خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، مع احتمالية الوصول إلى مستوى 60 دولارًا على المدى الطويل إذا استمرت الظروف الاقتصادية والجيوسياسية الحالية، ما يجعل الفضة — إلى جانب الذهب — من أبرز الأصول الاستراتيجية في إعادة تشكيل الخريطة النقدية العالمية.