• / 82

 

 

شهدت أسعار الفضة في الأسواق المحلية ارتفاعًا ملحوظًا خلال شهر أكتوبر بنسبة تقارب 3%، بعد سلسلة من المكاسب القوية التي دفعت المعدن الأبيض إلى تسجيل أعلى مستوياته التاريخية، مدعومةً بتزايد الطلب على أصول الملاذات الآمنة في ظل استمرار الضبابية الاقتصادية العالمية، وذلك بحسب تقرير صادر عن مركز «الملاذ الآمن» للأبحاث.

 

وأشار التقرير إلى أن جرام الفضة بدأ تعاملات الشهر عند 66 جنيهًا، وواصل صعوده تدريجيًا حتى لامس مستوى 85 جنيهًا كأعلى سعر في تاريخه الحديث، قبل أن يتراجع مع نهاية الشهر ويُغلق عند 68 جنيهًا. أما على الصعيد العالمي، فقد ارتفعت أوقية الفضة إلى 55 دولارًا في منتصف أكتوبر، لتسجّل بذلك مستوى قياسيًا جديدًا، لكنها فقدت جزءًا كبيرًا من مكاسبها في النصف الثاني من الشهر، لتنهي تعاملات أكتوبر عند 48 دولارًا للأوقية، بتراجع تجاوز 13% عن ذروتها الشهرية.

 

وأوضح التقرير أن أسعار الفضة المحلية شهدت استقرارًا نسبيًا خلال تعاملات اليوم السبت، بالتزامن مع عطلة البورصات العالمية، بعد أن تراجعت الأوقية عالميًا بنسبة 2% نتيجة قوة الدولار الأمريكي وتراجع الإقبال على أصول الملاذ الآمن. وسجل جرام الفضة عيار 800 نحو 68 جنيهًا، بينما بلغ عيار 925 حوالي 78 جنيهًا، ووصل عيار 999 إلى 84 جنيهًا، في حين استقر جنيه الفضة عند 624 جنيهًا.

 

 

---

 

السياسة النقدية والتطورات الجيوسياسية

 

تطرق التقرير إلى تأثير السياسة النقدية الأمريكية على تحركات أسعار المعادن، موضحًا أن التصريحات الأخيرة لجيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خلال مؤتمره الصحفي، جاءت حذرة وأضعفت التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر المقبل. حيث أكد باول أن اتخاذ أي قرار بخفض الفائدة "ليس أمرًا محسومًا"، وأنه سيعتمد على البيانات الاقتصادية القادمة.

 

وبحسب بيانات أداة CME FedWatch، فقد تراجعت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 67%، بعد أن كانت تتجاوز 90% في الأسبوع السابق. في الوقت نفسه، استقرت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات عند مستوى 4.10%، مع بقاء الدولار الأمريكي قويًا قرب أعلى مستوياته خلال ثلاثة أشهر، وهو ما انعكس سلبًا على جاذبية الاستثمار في الفضة.

 

وعلى الصعيد الجيوسياسي، أشار التقرير إلى أن قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) شهدت اجتماعًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، انتهى إلى اتفاق هدنة تجارية تمتد حتى نوفمبر 2026. وتضمّن الاتفاق خفض الرسوم الجمركية الأمريكية على منتجات الفنتانيل إلى النصف، ورفع الصين الرسوم على المنتجات الزراعية الأمريكية، إلى جانب تأجيل فرض قيود على تصدير المعادن النادرة.

 

وساهم هذا الاتفاق في تهدئة التوترات التجارية العالمية، مما انعكس على تراجع الإقبال على أصول الملاذات الآمنة، وفي مقدمتها الفضة، التي كانت قد استفادت سابقًا من تلك التوترات كخيار استثماري آمن.

 

 

---

 

تحولات هيكلية في أسواق المعادن الثمينة

 

أوضح تقرير «الملاذ الآمن» أن التراجع الأخير في أسعار الفضة والذهب يُعد تصحيحًا صحيًا مؤقتًا، وليس انعكاسًا لتراجع الطلب الحقيقي، حيث لم تُسجّل صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) أي انخفاض ملحوظ في حيازاتها من المعادن الثمينة، ما يدل على استمرار قوة الطلب المادي والمؤسسي.

 

كما أكد التقرير أن الطلب من البنوك المركزية والمؤسسات الاستثمارية الكبرى لا يزال قويًا، بالتزامن مع تحوّل تدريجي في مراكز تسعير المعادن الثمينة من بورصتي كومكس ولندن إلى الأسواق الآسيوية المدعومة ماديًا، وفي مقدمتها بورصة شنغهاي للذهب، التي تتيح تحويل اليوان إلى ذهب بنسبة 1:1.

 

ويرى التقرير أن هذا التحول الهيكلي من شأنه أن يقلل من هيمنة الدولار الأمريكي على تسعير الذهب والفضة، ويعزز من دور المعادن الثمينة في إعادة تشكيل النظام النقدي العالمي. ومع ذلك، تواجه وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي تحديات متزايدة في التعامل مع هذا التحول، في ظل محدودية احتياطيات الذهب الأمريكية وارتفاع التزامات المشتقات المالية المرتبطة به.

 

 

---

 

توقعات مستقبلية للفضة والذهب

 

خلص التقرير إلى أن الذهب والفضة ما زالا يتمتعان بأساسيات قوية تدعم استئناف الاتجاه الصاعد خلال الفترة المقبلة، مدعومين بـ الطلب الحقيقي من البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين، إضافة إلى استمرار الاتجاه العالمي نحو تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية.

 

وأشار التقرير إلى أن الأسواق المادية للمعادن الثمينة أثبتت قدرتها على الصمود أمام التقلبات السعرية الحادة، ما يجعلها خيارًا استراتيجيًا للمستثمرين الذين يفضلون الأصول الملموسة ذات القيمة المستقرة على المدى الطويل.

 

وفي ختام التقرير، أكد «الملاذ الآمن» أن المرحلة الحالية تمثل فرصة استثمارية مهمة لتعزيز المحافظ الاستثمارية بالذهب والفضة، في ظل التحولات الجيوسياسية والنقدية التي تُعيد تشكيل خريطة النظام المالي العالمي، وتُعزز مكانة المعادن الثمينة كأصول تحفظ القيمة وتوفّر الأمان في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.