• / 1150

أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، اليوم الأربعاء، قراره بتثبيت سعر الفائدة الرئيسي ضمن النطاق 4.25%-4.50%، في ثاني اجتماع له خلال عام 2025. يأتي هذا القرار في ظل ترقب واسع للأسواق حيال تأثير السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الثانية.

 

تطورات سعر الفائدة والاتجاهات الاقتصادية

 

في اجتماعه الأول لعام 2025، والذي عُقد في نهاية يناير، قرر الاحتياطي الفيدرالي أيضًا الإبقاء على سعر الفائدة ضمن نفس النطاق، وهو القرار الأول بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وخلال العام الماضي، خفّض البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة ثلاث مرات متتالية، ليصل إلى 4.3% بعد أن كان عند 5.3%.

 

جاءت هذه التخفيضات بعد أن رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بوتيرة سريعة خلال السنوات السابقة لمكافحة التضخم المرتفع. ومع تباطؤ معدل التضخم، وجد البنك المركزي الأمريكي مساحة لتخفيف سياسته النقدية، مما ساعد في استقرار الأسواق المالية وتقليل تكاليف الاقتراض.

 

معدلات التضخم وتأثيرها على السياسة النقدية

 

بحسب بيانات وكالة "أسوشيتد برس"، انخفض معدل التضخم إلى 2.4% في سبتمبر 2024، وهو أدنى مستوى له خلال ثلاث سنوات ونصف. ومع ذلك، شهد التضخم ارتفاعًا طفيفًا على مدار أربعة أشهر متتالية، قبل أن يعود للانخفاض في فبراير 2025، مسجلاً معدلًا سنويًا قدره 2.8%.

 

بسبب هذا التراجع الأخير، أكد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أن البنك المركزي يتابع عن كثب تداعيات السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب وتأثيرها المحتمل على معدلات النمو والتضخم، قبل اتخاذ أي قرارات جديدة بشأن أسعار الفائدة.

 

تراجع ثقة المستهلكين ومخاوف الأسواق

 

تعكس بيانات السوق الأخيرة تراجعًا في ثقة المستهلكين، حيث أعرب العديد من الأمريكيين عن مخاوفهم من احتمال ارتفاع معدلات التضخم مجددًا خلال الأشهر المقبلة. كما أبلغت الشركات الصغيرة عن تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي، مما قد يؤثر سلبًا على قرارات التوظيف والاستثمار.

 

في قطاع التجزئة، أبدت العديد من الشركات، بما في ذلك تجار السلع الفاخرة والبضائع المنخفضة التكلفة، قلقها من انخفاض معدلات إنفاق المستهلكين، خاصة مع توقعات ارتفاع الأسعار نتيجة فرض رسوم جمركية جديدة.

 

على الرغم من هذه التحديات، شهدت مبيعات التجزئة ارتفاعًا طفيفًا الشهر الماضي بعد انخفاض حاد في يناير، بينما تشير التوقعات إلى زيادة تكلفة بناء وتجديد المنازل، وفقًا لمطوري العقارات والمقاولين.

 

نمو القطاع الصناعي وسط مخاوف من تباطؤ الاقتصاد

 

في تقريره الأخير، كشف الاحتياطي الفيدرالي عن ارتفاع ملحوظ في إنتاج الصناعات التحويلية خلال الشهر الماضي، مدفوعًا بنمو قوي في قطاع إنتاج السيارات. ويُعتقد أن هذا الارتفاع يعكس زيادة الطلب على السيارات من قبل المستهلكين، تحسبًا لفرض رسوم جمركية مستقبلية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

 

كما سجل قطاع بناء المنازل نموًا أسرع من المتوقع، ما يعكس استمرار النشاط الاقتصادي رغم التحديات التي تواجه بعض القطاعات الأخرى.

 

توقعات النمو والتضخم لعام 2025

 

خفض العديد من الاقتصاديين توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأمريكي هذا العام. حيث يتوقع "بنك باركليز" أن يبلغ معدل النمو 0.7% فقط، مقارنة بنسبة 2.5% التي تم تسجيلها في عام 2024.

 

في المقابل، يتوقع محللو "غولدمان ساكس" أن يرتفع معدل التضخم الأساسي (بعد استثناء أسعار الغذاء والطاقة) إلى 3% بحلول نهاية العام، مقارنة بمستواه الحالي البالغ 2.6%.

 

التحديات التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي

 

يواجه البنك المركزي الأمريكي وضعًا معقدًا، إذ إن تباطؤ النمو الاقتصادي، مقترنًا باحتمال ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، قد يجبره على اتخاذ قرارات صعبة بخصوص أسعار الفائدة.

 

عادةً، عندما يتباطأ الاقتصاد وتبدأ الشركات في خفض عدد الموظفين، يلجأ الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الإنفاق والاستثمار. لكن، إذا استمر التضخم في الارتفاع، فقد يجد البنك المركزي نفسه مضطرًا إلى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لمنع تفاقم التضخم، وهو ما قد يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي بشكل أكبر.

 

من المعروف أن رفع الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة الأساسي يؤدي إلى زيادة تكاليف الاقتراض في مختلف القطاعات، بما في ذلك الرهون العقارية، قروض السيارات، قروض الشركات، وبطاقات الائتمان، مما قد يؤثر على إنفاق المستهلكين ونشاط الأعمال التجارية.

 

تصريحات باول وترقب الأسواق

 

تتجه أنظار المستثمرين والأسواق العالمية إلى المؤتمر الصحفي المرتقب لجيروم باول، حيث من المتوقع أن يقدم مؤشرات حول توجهات السياسة النقدية المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي.

 

ومن المرجح أن يؤكد باول مجددًا أن البنك المركزي الأمريكي يراقب الوضع الاقتصادي عن كثب، دون الحاجة إلى اتخاذ قرارات متسرعة في الوقت الحالي. حيث قال في تصريح سابق:

 

"تكاليف الحذر منخفضة للغاية. الاقتصاد بخير، ولا يحتاج منا فعل أي شيء، حقًا."

 

التأثير المحتمل للرسوم الجمركية على قرارات الفائدة

 

على صعيد آخر، أشار كريستوفر والر، عضو مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن البنك المركزي لا يزال يمتلك القدرة على خفض أسعار الفائدة خلال 2025، حتى في حال فرض رسوم جمركية جديدة، طالما استمر التضخم في التراجع بعد استبعاد تأثير تلك الرسوم.

 

لكن في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، أقر والر بأن تقييم تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار يعدّ أمرًا معقدًا، حيث قال:

 

"نحاول تحديد ما هو أساسي، وما قد يكون مجرد ضجيج ناتج عن الرسوم الجمركية. وهذا أمر صعب."

 

ختامًا

 

يبقى مستقبل السياسة النقدية في الولايات المتحدة مرهونًا بتطورات الاقتصاد العالمي والمحلي، خاصة مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن التضخم، وتداعيات سياسات الرئيس دونالد ترامب التجارية. وبما أن الأسواق تترقب خطوات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة، فإن أي تغييرات في معدلات الفائدة قد يكون

 لها تأثير كبير على الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء.